سلسلة مغرب الحضارة : التنمية العادلة ممكنة – الصحة تحتاج إلى الحكامة أولًا تبديد 25 مليار سنتيم سنويًا
سلسلة مغرب الحضارة :
التنمية العادلة ممكنة – الصحة تحتاج إلى الحكامة أولًا
تبديد 25 مليار سنتيم سنويًا
– الجزء السابع –
عزيز رباح
الجمعة 17 أكتوبر 2025
ليس هناك وصف أشد من الذي وصف الله عز وجل به المبذرين:
> “إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ”.
وهذا في المال الخاص بهم وملكهم، فكيف بمن يُبذر المال العام، وهو مؤتمن عليه؟
إنه أخٌ للشيطان الذي لعنه الله وأخرجه من رحمته، وخائنٌ لأمانة حفظ مال الوطن ومصالحه، وظالمٌ للمرضى الذين يُحرمون من الدواء، وقد يكون سببًا في وفاة بعضهم. كما أنه يساهم في إحباط المواطنين وحزنهم على آلام المرضى، ويشوّه صورة الوطن الذي يصارع الزمن والخصوم ليكون دولةً صاعدة. بإيجاز، ليس أهلًا لأن يكون إنسانًا.
لقد صرّح وزير الصحة في اجتماع لجنة التعليم والشؤون الاجتماعية بمجلس المستشارين بأن الدولة تخصص 3.6 مليار درهم (أي 360 مليار سنتيم) لاقتناء الأدوية والمستلزمات الطبية للمستشفيات العمومية، لكن يضيع منها نحو 7%، أي 250 مليون درهم (25 مليار سنتيم)، بسبب انقضاء صلاحيتها.
فبِمَ يمكن أن يوصف هذا العبث؟
كل شيء متوفر: الموارد المالية، الموارد البشرية، الوسائل اللوجيستية، التكنولوجيا الرقمية، الإجراءات الإدارية، المفتشية العامة، ولجان المراقبة…
25 مليار سنتيم تكفي كل سنة لتقديم منح تحفيزية لأكثر من 5000 طبيب وممرض، أو لبناء وتجهيز 50 مستوصفًا، أو بناء وتجهيز 25 معهدًا لمهن التمريض أو 5 معاهد عليا للصحة، أو اقتناء 250 سيارة إسعاف مجهزة بالكامل، أو 25 جهاز سكانير متعدد الاختصاصات، أو تنظيم 500 قافلة طبية، أو بناء وتجهيز 25 محطة لإيواء أسر المرضى القادمين من المناطق البعيدة، أو تقديم حوالي 12 ألف منحة إضافية لطلبة الطب… كل ذلك سنويا!!! … واللائحة طويلة.
لكن هناك بعض ! الضمائر مريضة، بكل أوبئة الفساد الإداري، وبسببها تضيع أوراح وميزانيات وحقوق وفرص. كثير من الاستثمارات العمومية تذهب سدى، أو لا تحقق أهدافها، أو تتدهور جودتها، أو تُنجز في غير محلها… بسبب سوء الحكامة، بسبب الإنسان: المسؤول والموظف، والمراقب، وغيرهم.
والحقيقة أن الإصلاح لا يتحقق فقط بالقوانين أو بالميزانيات، بل بتجديد الضمائر والعقليات داخل المؤسسات. فالقانون بلا ضمير يصبح حبرًا على ورق، والمشاريع بلا رقابة تتحول إلى هدرٍ مستمرٍّ للثروات.
فالبعض منا هم سبب مشاكلنا ومصائبنا. لا سامحهم الله على مايفعلون ضد الوطن.
فالحكامة هي المدخل الرئيسي للإصلاح والتنمية، من أجل مغربٍ صاعدٍ بسرعةٍ موحّدة.
الحكامة تعني: التخطيط وفق الأولويات، والتكليف بالاستحقاق، والترشيد في الاستثمار، والعدالة في توزيع المشاريع، والجودة في الإنجاز، والالتزام بالآجال، والمحاسبة بعد التقييم.
وكل ذلك يمكن تحقيقه على المدى القريب، لأن الوطن، بقيادة رشيدة لجلالة الملك، مسنودًا بالنخب الصالحة والصادقة والمسؤولين الأمناء، قادر على تحقيق معجزة التنمية العادلة التي تعزز الصعود العالمي للمملكة.
ومن الطبيعي أن تكون هذه الظواهر محطّ صراحة من جلالة الملك، لأنها تمسّ جوهر النموذج التنموي الجديد، الذي بُني على الكفاءة والمسؤولية وربط القرار بالمحاسبة.
وهذا مقتطف من خطاب جلالة الملك في البرلمان يوم الجمعة 10 أكتوبر 2025، يدعو إلى إعلان الحرب على هذا العبث بكل ما يسمح به القانون حتى يتوقف عبث العابثين:
> «ندعو الجميع، كلٌّ من موقعه، إلى محاربة كل الممارسات التي تُضيّع الوقت والجهد والإمكانات، لأننا لا نقبل أي تهاون في نجاعة ومردودية الاستثمار العمومي.»
ومفتاح الحكامة هو التربية على الأخلاق، لتكون الشهادة أو الدبلوم أو التعيين لهم روحٌ ومعنى.
> “إن خير من استأجرت القوي الأمين”
صدق الله العظيم