حكيمي… حين يُصاب القلب قبل القدم

✍️ بقلم : عبد الهادي الناجي
لم تكن إصابة أشرف حكيمي خلال مباراة فريقه باريس سان جيرمان أمام بايرن ميونيخ مجرّد مشهد رياضي عابر، بل كانت صدمة وطنية صغيرة هزّت قلوب المغاربة في لحظة واحدة. فحين سقط نجمهم المدلل على أرض الملعب متألّمًا، كان الشعور العام في المغرب وكأن القلب نفسه أصيب قبل القدم.
لم يكن الأمر مجرّد خوف على لاعب محترف، بل على رمزٍ للوطنية والانتماء، لاعبٍ لم يُبدّل جلده رغم بريق العواصم الأوروبية، وظلّ يحمل في عروقه نَفَس الحارة المغربية، وشغف الأطفال الذين يرونه مرآةً لأحلامهم.
أكثر من لاعب… هو صورة وطن
أشرف حكيمي لم يعد مجرّد مدافع أيمن في المنتخب الوطني، بل أصبح حالة وجدانية تعيشها الجماهير المغربية في كل ظهور. كل انطلاقة له على الجناح تذكّرنا بأن النجاح لا يولد من الصدفة، بل من الإصرار والمثابرة، ومن عرقٍ يُسكب حبًّا للوطن لا للمجد الشخصي.
في كل مناسبة يرتدي فيها قميص المنتخب، يبلّله عرقًا كما يبلّل الفلاح أرضه أملاً في موسمٍ خصب. نراه يُقاتل في كل التحامات، يصرخ في كل كرة، يُحمّس زملاءه وكأنه يقول لهم :
“هذا القميص ليس قطعة قماش، بل علمٌ يسكن صدورنا.”
تفاعل المغاربة… مشهد من وحدة الشعور
لم يكن مستغربًا أن تمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات المواساة، والدعاء بالشفاء، والتعبير عن الامتنان.
من كل المدن، من المدارس والمقاهي والقرى، كان الناس يكتبون:
“سلامات يا بطل، الوطن في انتظارك.”
تفاعل المغاربة مع إصابته أظهر مرة أخرى أن كرة القدم لم تعد لعبةً فحسب، بل أصبحت لغة وطنية توحّد القلوب. في لحظة ألم حكيمي، شعر المغاربة جميعًا أنهم عائلة واحدة.
حكيمي… دروس في الانتماء والتواضع
قليلون هم النجوم الذين يُحافظون على جذورهم مهما علت أغصانهم. وحكيمي واحد من أولئك الذين لم تغيّرهم الأضواء، بل زادتهم قربًا من الناس.
كل من التقى به يعرف تواضعه، واحترامه، وابتسامته التي لا تُفارق وجهه، حتى وهو يخرج متألمًا على نقالة، كان يرفع يده مودّعًا الجماهير بابتسامةٍ تحمل رسالة صبرٍ وأمل.
إنه الخلوق قبل أن يكون الموهوب ، والمواطن قبل أن يكون النجم.
المنتخب المغربي… في انتظار الجندي الصامت
داخل معسكر الأسود ، يدرك الجميع أن حكيمي ليس مجرّد ركن تكتيكي في الجبهة اليمنى، بل هو روحٌ تبعث الطاقة في المجموعة. غيابه، ولو مؤقتًا، لن يُعوّض بسهولة، لأنّ ما يمنحه يتجاوز حدود الملعب: يمنح الحماس والانضباط والغيرة الوطنية.
ولأن الله لا يخذل من أخلص، فاليقين كبير أن حكيمي سيعود أقوى، كما عهدناه، ليواصل رحلة المجد مع المنتخب الوطني الذي صنع معه التاريخ في مونديال قطر، وسيساهم في كتابة فصلٍ جديد من المجد القاري في كأس إفريقيا المقبلة بالمغرب.
كلمة أخيرة
حين يُصاب حكيمي، لا يُصاب جسد لاعب فقط، بل يُصاب معنى من معاني الوطنية في قلوب المغاربة.
لكنه سيعود، لأن القلوب التي تُحبّ الوطن لا تعرف الاستسلام.
فحكيمي لم يتوقف يومًا عن الركض… حتى وهو مُصاب، يركض في وجداننا جميعًا.
✍️ عبد الهادي الناجي
مدير نشر النخبة الرياضية
4 نوفمبر 2025
