حجز مبكر للثقة … وبصمة تتأكد في نصف نهائي كأس العرب

بقلم : عبد الهادي الناجي
لم يكن فوز المنتخب الوطني المغربي على نظيره السوري مجرد عبور تقليدي إلى مربع الذهب، بل كان تجسيداً لمسار يتبلور بصمت ، ويعلن أن «أسود العرب» يكتبون فصلاً مختلفاً في هذه النسخة المقامة بالدوحة … فالمباراة رغم أنها انتهت بهدف يتيم ، حملت في عمقها رسائل تتجاوز النتيجة نحو شكل الأداء ، وثقافة اللعب ، وطريقة إدارة الإيقاع في لحظات الضغط …
منذ البداية بدا واضحاً أن المنتخب المغربي دخل المواجهة بذهنية المنتصر ، لا الباحث فقط عن تأشيرة العبور. ضغط عالٍ، امتلاك منظم للكرة ، وقدرة على تنويع الهجمات بين العمق والأطراف، ما جعل الدفاع السوري يعيش حالة استنفار مبكر. غير أن العامل الأكثر تأثيراً كان الصبر ، ذلك الصبر الذي نادراً ما يظهر في المنتخبات العربية حين تتأخر الأهداف. المغرب لم يتسرّع، ولم يقع في فخ الفوضى الهجومية ، بل ظل محافظاً على البناء المنهجي حتى جاء الهدف في توقيته المناسب ليترجم الأفضلية الطبيعية …
المنتخب السوري ، ورغم خسارته ، لم يكن خصماً سهلاً. فقد قدّم واحدة من أكثر مبارياته انضباطاً ، ونجح في لحظات كثيرة في تقليص المساحات، وفرض إيقاع دفاعي ضيق كاد يربك الخيارات المغربية … لكن جودة التفاصيل كانت هي الفارق … التحولات السريعة ، والقراءة الجيدة للفراغات، ثم الجرأة في الثلث الأخير … كلها عناصر صنعت الفارق ، وأكدت أن المنتخب المغربي يمتلك شيئاً إضافياً: شخصية الفريق الكبير …
ما يلفت أكثر ، هو أن المنتخب المغربي لم يعتمد على فرديات خاطفة ، بل على كتلة متناغمة تعرف ما تريد … وهذه نقطة محورية ستجعله يدخل نصف النهائي بثوب المنافس الحقيقي لا العابر العرضي … فالمستوى الذي ظهر به اللاعبون لا يعكس فقط جاهزية بدنية وتكتيكية ، بل يعكس ثقة داخلية تتضاعف مباراة بعد أخرى …
اليوم، يقف المنتخب أمام مفترق صناعة المجد. نصف النهائي سيكون اختباراً جديداً ، لكنه ليس اختباراً للقدرة بقدر ما هو اختبار للثبات … فالفريق الذي يملك الأسلوب ، ويعرف كيف يسير المباراة وفقاً لمزاجه وخياراته، يكون الأقرب لكتابة النهاية الكبرى …
المنتخب الوطني ، بهذا الأداء المتزن ، لا يبحث عن لقب فقط … بل يبحث عن تثبيت هوية جديدة في كرة القدم العربية : هوية فريق يعرف كيف يفوز ، وكيف يفرض منطقه ، وكيف يجعل من كل مباراة درساً في التحكم والصلابة الذهنية …
وهذا بالضبط ما يجعله الآن … مرشحاً فوق العادة …
