الكاف يعيد رسم خريطة المنافسات القارية ، إصلاح ضروري أم مغامرة غير محسوبة … ؟

أعلن الاتحاد الإفريقي لكرة القدم ، بقيادة الجنوب إفريقي باتريس موتسيبي ، عن تغييرات وُصفت بالجذرية في نظام المسابقات القارية الخاصة بالمنتخبات ، أبرزها إلغاء بطولة كأس إفريقيا للاعبين المحليين ، واستحداث بطولة جديدة للمنتخبات الوطنية تُقام كل عامين ، مع تحويل نهائيات كأس أمم إفريقيا إلى موعد رباعي ابتداء من نسخة 2028 .
القرار قُدّم في إطار ملاءمة الرزنامة القارية مع أجندة الاتحاد الدولي لكرة القدم ، وتخفيف الضغط عن اللاعبين والمنتخبات ، وتحسين جودة المنافسات . غير أن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه بقوة هو ، هل نحن فعلا أمام إصلاح مدروس يخدم كرة القدم الإفريقية ، أم مجرد استجابة تقنية لإملاءات خارجية لا تراعي خصوصية القارة ؟
إلغاء بطولة المحليين ، التي انطلقت سنة 2009 ، يعني عمليا سحب منصة كانت مخصصة للاعبين الممارسين داخل البطولات الوطنية ، وحرمانهم من نافذة قارية لإبراز إمكاناتهم . هذه المسابقة ، رغم محدودية إشعاعها ، لعبت دورا مهما في تحفيز الدوريات المحلية ومنحها قدرا من القيمة التنافسية ، وهو ما يطرح علامات استفهام حول البديل الحقيقي الذي سيعوض هذا الفراغ .
أما استحداث بطولة جديدة للمنتخبات الوطنية ، وإدراجها ضمن الأجندة الدولية ، فقد يبدو من حيث الشكل خطوة إيجابية تفتح الباب أمام مشاركة أوسع للاعبين المحترفين داخل القارة وخارجها . لكن من حيث العمق ، يبقى التخوف قائما من تضخم عدد المنافسات ، واستنزاف إضافي للموارد البشرية والمالية ، خصوصا لدى الاتحادات الإفريقية ذات الإمكانات المحدودة .
تحويل كأس أمم إفريقيا إلى بطولة تُنظم كل أربع سنوات يحمل بدوره وجها مزدوجا . فمن جهة قد يمنح المنتخبات وقتا أطول للتحضير ويُعيد للبطولة قيمتها الرمزية ، لكنه من جهة أخرى يُقلص فرص الاحتكاك القاري المنتظم ، ويضعف الحضور التنافسي للقارة في فترات الفراغ الطويلة .
الكاف تحدث عن رفع مستوى المنافسة وضمان التوازن بين الاحتراف المحلي والدولي ، غير أن هذا التوازن يظل شعارا فضفاضا ما لم يُرفق برؤية واضحة لدعم البطولات المحلية ، وحماية اللاعب الإفريقي من التحول إلى مجرد رقم في أجندة مزدحمة .
باختصار ما أُعلن عنه ليس مجرد تعديل تقني في الروزنامة ، بل تحول عميق في فلسفة المنافسات الإفريقية . نجاحه أو فشله سيقاس بمدى قدرته على خدمة جوهر كرة القدم في القارة ، لا فقط بمقدار انسجامه مع أجندات خارجية قد لا ترى في إفريقيا سوى هامش زمني قابل للتعديل .