حين تصرخ التفاصيل الصامتة بما لا تقوله الأهداف

بقلم : عبد الهادي الناجي
في مباريات الافتتاح ، لا تُقاس الحقيقة بما يظهر على لوحة النتيجة فقط ، بل بما يتسرّب بين السطور ، وبما تقوله الجسدّيات واللقطات العابرة التي لا تُدرج في الملخصات الرسمية . مباراة المغرب وجزر القمر لم تكن استثناءً ، لأنها كشفت مبكرا عن طبيعة المنتخب الذي يدخل كأس إفريقيا من باب الالتزام قبل الفرجة .
اللقطة التي أثارت الجدل لم تكن خلافا بين لاعبين ، ولا لحظة فقدان أعصاب ، بل كانت تعبيرا عفويا عن ضغط داخلي مشروع . ضغط منتخب يعرف أن اللعب في الدار ليس امتيازا دائما ، بل امتحان مضاعف ، حيث يتحول التشجيع إلى انتظار ، والانتظار إلى محاسبة .
في مثل هذه السياقات ، تصبح الهفوة الصغيرة أكبر من حجمها الحقيقي ، ليس لأن الخطأ فادح ، بل لأن هامش التسامح يضيق حين يكون الهدف واضحا : اللقب ولا شيء غيره . وهنا بالضبط تكمن دلالة المشهد ، لا في الأشخاص ، بل في المناخ الذهني الذي يتحرك داخله المنتخب .
هذا الجيل من اللاعبين لم يعد يلعب بعقلية المشاركة المشرفة ، ولا بمنطق البناء الهادئ على المدى البعيد . نحن أمام مجموعة تشبّعت بثقافة المنافسة العالية ، واعتادت أن تكون تحت المجهر ، وأن تُقارن بنفسها قبل أن تُقارن بالآخرين . لذلك ، فإن أي لحظة تراخٍ تُقابل برد فعل فوري ، أحيانا يكون قاسيا في ظاهره ، لكنه صحي في عمقه .
الأهم في هذه المباراة ليس ما قيل داخل الملعب ، بل ما لم يُقل بعدها . لا شرخ ، لا ارتدادات سلبية ، لا ارتباك في الأداء . بل العكس ، الفريق استعاد توازنه ، وواصل لعبه بعقل بارد وأقدام واثقة ، وكأن الرسالة وصلت وانتهى النقاش في لحظته .
كأس إفريقيا لا تُربح بالانسجام العاطفي وحده ، ولا بالهدوء المصطنع . تُربح بمنتخب يقبل النقد الداخلي ، ويستوعب التوتر ، ويحوّله إلى يقظة جماعية . وما ظهر في الافتتاح هو أن المنتخب المغربي دخل البطولة وهو واعٍ بثمن كل خطأ ، وبقيمة كل دقيقة ، وبأن الطريق إلى اللقب يبدأ من الانضباط الذهني قبل التكتيك .
في النهاية ، قد تُنسى الأهداف ، وقد تتغيّر القراءات ، لكن تبقى هذه التفاصيل الصامتة شاهدة على فريق يعرف ماذا يريد ، ويعرف أن البطولة لا ترحم من يتساهل مع نفسه قبل خصمه .