عندما يصبح الصدق عبئا … عيسى ماندي يدفع ثمن شهادة مهنية

*** عبد الهادي الناجي
من جديد يخرجون كرة القدم عن إطارها الطبيعي ، لا بسبب خطأ تحكيمي أو نتيجة داخل المستطيل الأخضر، بل نتيجة حسابات خارجية تحاول جرّ الرياضة إلى ساحات لا تنتمي إليها … هذه المرة كان بطل القصة هو الدولي الجزائري عيسى ماندي، الذي وجد نفسه في مرمى الانتقاد لا لشيء سوى لأنه اختار أن يكون صريحًا …
خلال مشاركته مع المنتخب الجزائري في كأس أمم إفريقيا 2025 المقامة بالمغرب ، عبّر ماعندي و بهدوء ومسؤولية ، عن ارتياحه لظروف التنظيم ، وجودة الملاعب … ومستوى البنية التحتية … شهادة مهنية تصدر عادة عن لاعب مخضرم شارك في عدة تظاهرات قارية ودولية ، لكنها تحوّلت فجأة إلى “موقف غير مرغوب فيه” داخل بعض أروقة البعثة الجزائرية …
المثير في الأمر أن تصريحات ماندي لم تحمل أي شحنة سياسية ، ولم تتجاوز حدود التقييم الرياضي البحت ، بل جاءت بعد ندوة صحفية رسمية وقبل مواجهة منتخب بوركينا فاسو ، في سياق طبيعي يعيشه كل لاعب داخل بطولة كبرى. ومع ذلك تم التعامل معها وكأنها خروج عن النص، لا لسبب إلا لأنها كسرت جدار الصمت المفروض تجاه كل ما هو مغربي …
القضية هنا لا تتعلق بما قاله ماندي ، بل بما لم يُرِد البعض سماعه. فالإشكال الحقيقي يكمن في إصرار جهات بعينها على فرض رقابة غير معلنة على الخطاب الرياضي، وتحويل اللاعب من شاهد على الواقع إلى منفذ لتعليمات مسبقة ، حتى وإن تعارضت مع ما يراه بعينيه ويعيشه يوميًا.
أن يُوبَّخ لاعب دولي بسبب إشادته بتنظيم بطولة تُشرف عليها الاتحاد الإفريقي لكرة القدم ، فذلك يطرح أكثر من سؤال حول حدود الحرية داخل المنتخبات، وحول منطق الخلط بين التنافس الرياضي والخلافات السياسية. كما يكشف عن خوف مزمن من الاعتراف بالواقع، حتى عندما يكون هذا الواقع مشهودًا له من مختلف المنتخبات المشاركة.
والأغرب أن هذا التضييق يأتي في وقت تتوالى فيه شهادات إيجابية من لاعبين ومسؤولين وصحفيين من مختلف الدول الإفريقية، الذين أجمعوا على أن نسخة المغرب تُعد من بين الأفضل تنظيمًا في تاريخ البطولة، سواء على مستوى الملاعب أو الإقامة أو الجوانب اللوجستية …
في الأخير قد يُمكن إسكات لاعب أو تقييد تصريح ، لكن لا يمكن حجب حقيقة يراها الجميع … فالتنظيم يُقاس على الأرض ، لا في البيانات ، والاحترافية لا تحتاج إلى إذن كي تُقال … وما حدث مع عيسى ماندي ليس سوى حلقة جديدة في مسلسل تسييس الرياضة . في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى أن تبقى مساحة للصدق ، لا عبئًا عليه …